المقدمة
أراء طبية حرة
شعر
قصة قصيرة، حكايات طبية
أقلام حرة
أسئلة متنوعة و متكررة
في رثاء الراحلين
حقوق الانسان بالاسلام
فن و موسيقا
منوعات
روائع نزار قباني
رياضة الغولف Golf
من التراث العربي
قصص من تراث اللاذقية
مخطط الموقع
باب أراء طبية حرة - الصفحة (8) - كل ما لا علاقة له بالطب - منوعات
هل النوع الأفضل هو الأفضل حقاً
د عمر فوزي نجاري
هل النوع الأفضل هو الأفضل حقاً ماذا لو عاد هتلر إلى الحياة ثانية؟ ثورة المعلومات التي اجتاحت العالم وهزته ولا تزال، كانت بمثابة قارعة زلزلت الأرض زلزالا وغيرت الأحوال تغييرا وجعلت جل ما كنا وكان غيرنا يعرفه وإلى أمد وجيز من تراث الماضي وفتات الحاضر، إلاٌ أنٌ هذه السرعة المذهلة في تنامي العلم وانتشار المعرفة وفقدان السيطرة عليها جعلت البشرية في خوف دائم مما يخبئه لها التطور العلمي مستقبلا، وذلك عقب الأنباء المتواترة مؤخرا فيما يتعلق بموضوع الاستنساخ وما يترتب عليه من مشاكل أخلاقية واجتماعية، وموضوع فقدان السيطرة والإشراف الدقيقين على بعض المفاعلات النووية والغواصات والأسلحة النووية الموجودة في بعض البلدان وما يؤدي إليه ذلك من مخاطر جمة على مستقبل البشرية والبيئة التي تحيا فيها، وإذا كان الأقدمون قد قالوا: ((ويل للرجال من الرجال)) فإنه يحق لنا أن نقول نحن أبناء القرن الحادي والعشرين: ((ويل للعلماء من العلماء))، فالشيء بالشيء يذكر والحديث دائما ذو شجون . التكنولوجيا والحكمة الإنسانية: إذا كانت الأمم ترقى بالعلوم فإنها تسود بالأخلاق، ورحم الله الشاعر الذي قال: وإذا أصيب القوم في أخلاقهم ____ فأقم عليهم مأتما وعويلا فالعلم سلاح ذو حدين، حد لبناء الحضارة وعمارة الكون، وحد لتدمير البشرية وتلوث البيئة وخراب الكون، حدين من غير الممكن الجمع بينهما لأنه جمع بين الماء والنار، وإذا كانت البشرية قد استفادت من التطور النووي في العديد من المجالات كالطب والفيزياء والفضاء...الخ، فإنها وبالمقابل ذاقت ويلات هذا التطور بدءا من كارثة دمار هيروشيما وناغازاكي مرورا بكارثة تشيرنوبيل النووية في أوكرانيا، وهي كوارث لا يمكن حصرها في منطقة محددة لأنٌها تتخطى كل الحدود لتصبح كارثة عالمية يمتد أثرها لآلاف الأميال المجاورة وربما إلى بلدان بعيدة عن طريق ما يعرف بالغبار النووي والأمطار المحملة بالملوثات، وصدق جلّ مِن قائل: ((ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)) سورة الروم/ آية41. التطرف العلمي : إنٌ تحسين النسل والاستنساخ والأبحاث التي بدأت تطفو على السطح فيما يتعلق بالخلايا الجذعية وما يمكن أن ينجم عنها مستقبلاً، أمثلة لم تتضح معالم التطرف العلمي فيها بعد وما قد ينجم عنها من انحرافات، قد لا تُحمد عقباها إذ قد تؤدي إلى كوارث لا تزال في علم الغيب فيما لو أسيء استخدامها أو وقعت في أيد غير أمينة بعيدة عن الدين الصحيح والأخلاق القويمة واليقين الصادق . هل تحسين النوع هو الأفضل : إذا كانت اكتشافات ماندل من خلال دراسته للجلبان قد فتحت الباب على مصراعيه أمام علم جديد أطلق عليه اسم ((علم الوراثة)) فإنٌ ساحات هذا العلم لا تزال تخضع للجدل بين مؤيد ومعارض، بين مدافع ومتٌهم، لاسيما فيما يتعلق باللعب بالمورثات للوصول إلى النوع الأفضل، ولكن هل النوع الأفضل هو الأفضل حقا؟!. لقد تمكن علماء الوراثة من تطوير سلالات من الفاصولياء ذات إنتاجية هائلة ولكن ضمن شروط شديدة الخصوصية تزرع فيها وبالتالي فهي غير قادرة على البقاء في شروط قاسية وصعبة كالتي توفرها أوساط الطبيعة ، هذه الحقيقة تطرح علينا السؤال التالي: هل السلالة الجديدة أفضل من السابقة ؟!.، وهل تمكن علماء الوراثة فعلا من تحسين سلالات الفاصولياء في الوقت الذي أصبحت فيه غير قادرة على الاستمرار دون شروط خاصة يؤمنها لها الإنسان والتقنيات المتوفرة بين يديه؟!. وهنالك مثال آخر ينطبق على الإنسان: فالأشخاص المصابون بفقر الدم المنجلي يمتلكون مورثة الخضاب الشاذ S، هذه المورثة مسؤولة عن موت الأشخاص متوافقي الأمشاج أي الذين يحملون المورثة بشكلها SS وهي صفة سيئة لأنها لا تتماشى مع الحياة، بينما تقوم هذه المورثة بحماية الأشخاص متخالفي الأمشاج أي الذين يمتلكون مورثة خضاب شاذ S واحدة فقط (كما هو الحال عند من يمتلك خضابA1S، أو FS مثلا) إذ تقوم هذه المورثة بحماية هؤلاء الأشخاص من الإصابة بمرض الملاريا في المناطق الموبوءة بالملاريا وبالتالي فإن هذه المورثة المميتة للبعض تصبح مفيدة جدا عند البعض الآخر في ظل ظروف معينة لتقوم بدورها بحمايتهم من الموت؟!. وصدق شاعرنا العظيم المتنبي عندما قال: كذا قضت الأيام مابين أهلها ____ مصائب قوم عند قوم فوائد ماذا يخبئ لنا تطور علم الوراثة؟ عندما نشر جيمس واطسن كتابه ((اللولب المزدوج The double helix)) عام 1968م مدوناً فيه اكتشافه لبنية جزيء الـ DNA، لم يكن العلم قد توصل بعد إلى معرفة نوع الجنين وإلى اللعب بالمورثات بغية تغيير بعض الصفات التي يعتقد العلماء أنها غير مرغوب بها، وإلى استنساخ كائن ما من مورثاته الموجودة في إحدى خلاياه -كما هو الحال بالنسبة لقصة استنساخ النعجة (دوللي) التي ضج بها العالم أواخر القرن العشرين المنصرم -فإنٌ العلم لا يزال عاجزا عن معرفة ما سيؤول إليه أمر هذا الجنين من سعادة أو شقاء من غنى أو فقر من طول عمر أو قصره رغم أنٌ التوائم الحقيقية (( التوائم وحيدة الإلقاح )) والتي تنجم عن إخصاب بويضة واحدة بنطفة واحدة تتألف من أفراد لهم نفس الإرث الوراثي، ذلك أنُ للبيئة والمجتمع المحيطان بالفرد دور هام في تطور الفرد ونموه وفي مقدرته على العيش ومواصلة النماء وتلبية احتياجات حياته إلى حد أنٌ ما هو وراثي ليس بالضرورة أن يكون أمرا حتميا، إذ على سبيل المثال يمكن لمرض بلاهة الفينيل بيروفيك - وهو مرض وراثي - أن يتظاهر عند الأفراد المتماثلي الأمشاج إلاٌ أنٌه يمكن للبيئة المحيطة بالفرد أن تتدخل لتمنع تطور المرض وظهوره عند الأفراد المتماثلي الأمشاج وذلك بتطبيق حمية غذائية موافقة. العاهة والمرض والإبداع : تعد الـDNA البشرية أطول وصفة وراثية معروفة، إذ تحتوي على ستة آلاف مليون درجة، وبالتالي فإنّ أيّ خلل فيها مهما كان بسيطاً سيؤدي إلى اضطرابات داخل الخلية قد لا تُحمد عقباها كأن يتم إنجاب مسخ أو كائن ذي مواصفات غير متوقعة. إنٌ فكرة تحسين النوع البشري التي يسعى بعض العلماء للوصول إليها عن طريق العبث بالمورثات لا تزال موضع جدل ونقاش ذلك أنٌ ما هو حسن بالنسبة للبعض قد لا يكون كذلك عند الآخرين، كما أن الظروف السيئة المحيطة بالفرد قد تكون دافعا له على الإبداع عوضا عن أن تكون عامل تثبيط له، فقد روي عن سقراط شيخ فلاسفة اليونان - والذي كان سيء العلاقة بزوجته، إذ طالما ضايقته وأساءت معاملته- أنٌه نظر إلى تلامذته يوما وقال لهم: تزوجوا فإمٌا أن تعيشوا سعداء وإمٌا أن تصبحوا فلاسفة . كما أنٌ العجز الجسماني والصحي لم يكن في يوم من الأيام عائقا أمام الإبداع والانطلاق الفكري، إنٌ نظرة خاطفة على تاريخ البشرية تُظهر لنا أنٌ الكثير من العظماء والمشاهير والمبدعين كانوا أناسا غير أصحاء تماما - وهم بالتالي أكثر احتياجا من غيرهم لفكرة تحسين النوع البشري - فأبو العلاء المعري الشاعر المعروف والدكتور طه حسين عميد الأدب العربي والشاعر البذيء اللسان بشار بن برد كلهم كانوا عميانا فاقدين لنعمة البصر ومع ذلك لم تقف هذه العاهة عائقا أمام إبداعاتهم، وكذا الحال مع بيتهوفن الأصم ودوستيوفسكي ويوليوس قيصر المصابين بداء الصرع، وتيمور بن تورغاي الملقب ب( تيمور لنك) أي تيمور الأعرج لأنٌه أصيب بجرح في ساقه سبب له عرجا بقية حياته، كما أعطانا العجز الجسمي مؤلفا موسيقيا عظيما هو ((روبرت شومان)) الذي انتهت حياته كعازف بيانو من خلال العجز الذي حدث في يده اليمنى عندما أصابها الشلل في بعض الأصابع، كما أعطانا التشوه الخلقي كاتبا مبدعا ترك بصماته في التاريخ العربي والإسلامي هو (الجاحظ) الذي كان مشوه الخلق جاحظ العينين انصرف عنه الناس فعني هو بصناعة الكتب وقد أصيب في أخريات أيامه بالفالج والنقرس فأضطر إلى ملازمة بيته والتفرغ للكتابة والتأليف. كما لم يشكل المرض بحد ذاته عائقا أمام إبداع المبدعين فهاهو ستيفان هاوكنج وهو أحد أشهر علماء الفيزياء في هذا العصر استمر في متابعة أبحاثه ونظرياته رغم إصابته بمرض عصبي أقعده كليا عن الحركة ولم يبق فيه سوى عينيه وأصابعه ودماغه، وبأصابعه المتبقية يتحكم بكرسيه الآلي وبناظمة الكترونية يملي عليها أفكاره التي تظهر مكتوبة على شاشة صغيرة أمامه. هذا ما دفع البعض ومنهم د. فيليب ساندبلوم إلى طرح فكرة وجود علاقة قوية بين آلام وأمراض المبدعين وبين إبداعاتهم، وها هو نيتشه يقول : (( لم أشعر مطلقا بأنني أكثر سعادة إلاٌ في فترات حياتي الأشد مرضا )) . وكذا الأمر بالنسبة للشاعر الإنجيليزي الشهير (لورد بايرون) والذي كان متكيفا مع عجزه الجسمي المتمثل في تشوه أحد قدميه إذ وجد فيه بعض الراحة، وقد ذكر ذات مرة أنٌ: ((إدمان الشعر كان هو النتيجة لعقل غير مستريح في جسد غير مريح)). حلم الإستنساخ : إلاٌ أنٌ القضية الأخطر من هذا وذاك هي فكرة استنساخ الكائنات اعتبارا من المواد الوراثية المتبقية من رفاة هذه الكائنات والتي أخذت تراود أحلام العلماء مؤخرا. هل لنا أن نتخيل عودة طاغية الثورة الفرنسية ((روبسبير)) ومقصلته إلى الوجود ثانية؟ أو عودة ديكتاتور روسيا ((ستالين)) الذي أثار الرعب في قلوب أبناء شعبه من خلال عمليات التطهير التي أودت بحياة أكثر من عشرين مليونا عدا الملايين الأخرى التي أُرسلت إلى مجاهل سيبيريا للعمل هناك في ظل ظروف قاسية ورهيبة، أم عودة هتلر ألمانيا أو بينيتو موسوليني إيطاليا؟! أفكار إن تحققت فلن يكون أمامنا سوى الدعاء لله أن يحفظنا بحفظه ويكلأنا برعايته... ولابد لي في هذه العجالة من أن أطمئن القارئ إلى أنٌه وعلى الرغم من أنٌ فكرة الاستنساخ هذه قد أصبحت ممكنة نظريا إلاٌ أنٌها من الناحية العملية لن تعيد روبسبير ولا ستالين أو هتلر أو موسوليني إلى المكانة التي كانوا عليها لأنٌ الظروف والبيئة التي عاشوا فيها قد اختلفت تماما ولربما عادوا إلينا أناسا عاديين أو دون ذلك، والله أعلم!. _________________________ فهرس مواضيع الدكتور عمر فوزي نجاري
9/1/2021
الحقوق محفوظة طبيب الوب 2014 ©
http://tabib-web.eu - http://www.tabib-web.eu