المقدمة
مستجدات طبية
صحة عامة
الأمراض النسائية
أمراض الأطفال
مواضيع بالأمراض الداخلية
الثقافة الجنسية
أمراض منتقلة عن طريق الجنس
الجهاز التناسلي المؤنث ـ تشريح
الجهاز التناسلي المذكر
مشاكل جنسية ـ رجال
مشاكل جنسية ـ نساء
مواضيع للأطباء و طلاب الطب
قصة قصيرة، حكايات طبية
أقلام حرة
صفحة خاصة: الأمراض النسائية
صفحة خاصة: تعرفوا على انفسكم
صفحة خاصة: عن الحمل و الجنين
صفحة خاصة: صحة عامة
صفحة خاصة: ثقافة جنسية
صفحات خاصة بالأطباء و طلاب الطب
صفحة خاصة: مواضيع غير طبية
للقراءة قبل طرح السؤال
من التراث العربي
مخطط الموقع
باب قصة قصيرة، حكايات طبية - الصفحة (10) - الصفحة الرئيسية - الصفحة الأولى 2014
قصتي مع التخدير
الأستاذ الدكتور صادق فرعون
قصتي مع التخدير سأروي لكم قصتي مع التخدير . بدأتْ في العام 1953 عندما نجحتُ طبيباً مقيماً (داخلياً) في مشافي جامعة دمشق . كان علينا تخدير المريضات بجهاز أومبريدان الذي يستعمل الإثير في دارة نصف مغلقة والذي كان يحتاج لوقت طويل كي تتخدر المريضة . كان ينتابها شعور مخيف من الاختناق وكنا نحتاج أن نمسكها من أطرافها الأربعة حتى تخور قواها وتدخل في خَدَر يرافقه تنفس مُجهد وقوي . أو أن نلجأ إلى التخدير بالكلوروفورم بقناع مفتوح (تخدير الملكة) وكانت فترة تحريض التخدير أقصر ولكن كثيراً ما كان يسبب حروقاً جلدية على الوجه إن سالت أية قطرة من المادة المخدرة عليه . تركت هذه الممارسات التخديرية القديمة ذكريات مؤلمة ولا تنسى في نفسي . تغيّر الحال عندما قدم طبيب بريطاني من مدينة أبردين ، أسكتلندة ، يدعى الدكتور سكوت ومعه جهاز تخدير كبير يدعى "جهاز بويل" وإلى جانبه اسطوانات "أوكسيد النيتروس" و "السيكلوبروبان" و "الأوكسجين" . كانت معه أنابيب مطاطية يدخلها في الرغامى بعد أن يخدر الحلق والحنجرة برذاذ مخدر موضعي . كان الدكتور سكوت في غاية اللطف والهدوء والنظام والترتيب وكان يتفقد أدواته ومواده الطبية قبل أن يبدأ التخدير . صرت أراقبه وأتعلّم كل خطوة في هذا النظام الحديث للتخدير . كان ، بعد تخدير الحنجرة بمشتق بروكائيني يقوم بتنبيب المريض بعد إعطائه حقنة وريدية من السوكسينيل كولين ومن النيسدونال ثم بغازات التخدير مع الأوكسجين . كنت أديم مراقبته وهو يقوم بتنبيب المريض دون أي رضٍ أو عنفٍ أو قسوة . كان دائب المراقبة لحالة المريض ولعلاماته الحيوية وكان لا يلتفت إلى أي أمرٍ آخر أثناء العملية . لما رأى معرفتي للإنكليزية أعارني كتاباً انكليزياً عن التخدير الحديث لأدرسه ، عنوانه " الموجز في التخدير" . أذكر أن هذا الكتاب قد عرّف التخدير بكلمة واحدة ، أترك تخمينها للقارئ . وكان يسجل كل مراحل التخدير والعملية على بطاقات مثقوبة من جوانبها الأربعة للإحصاء "punch cards". بعد متابعتي لاختصاص التوليد ، لم يخبُ اهتمامي بالتخدير وكنت دوماً أنتقي من بين زملائي المخدرين أفضلَهم ليخدّر مريضاتي . قبل بضع سنوات ولما كسرت ساقي كسراً متبدلاً لم أشعر بالخوف من العملية الجراحية ، ولكنني خفت من التخدير ولذا رجوت زميلاً عزيزاً من خيرة المخدرين فقام بتخديري دون أي إزعاج أو مصاعب . منذ عامين ، أصبت بأعراض أُسرٍ (احتباس) بولي بسبب ضخامة موثة (بروستات) سليمة وقرر زميلي اختصاصي البولية أن من الضروري إجراء العملية بالتنظير ، ولما طلبت منه أن يسمح لي باستدعاء زميلي المخدر المفضّل أكّد لي أن مخدّر تلك المشفى لا يقلّ عن الآخر مهارة . وهكذا كان . أجريت العلمية ولم أصحُ إلا بعد مضي ساعتين على نهاية العملية ولما حاولت النطق شعرت بأن كلامي متعتعٌ كما لو كان كلام سكران . صرخت عندما لاحظت رخاوة في طرفيّ الأيمنين العلوي والسفلي فأتى الأطباء وبدؤوا بتمييعي بالهيبارين ثم بإجراء تصوير بالرنين المغناطيسي (المرنان) الذي بيّن وجود خثرة صغيرة في المحفظة الباطنة اليسرى للدماغ . رغم هول الحَدَث بالنسبة لي كطبيب فقد حزمت أمري ألا أتخاذل . تابعت المعالجة الفيزيائية والتدريبات الرياضية وكان أن عدت إلى عملي بعد بضعة أسابيع . تساءلت وتساءل من حولي : ما علاقة التخدير العام بما حدث ؟ قرّر المخدر أن لا علاقة للتخدير بذلك . طلبت إجراء تصوير بالصدى (سونار) للشرايين السباتية ، فتبين وجود عروة خلقية في منشأ السباتي الباطن الأيسر . قرّر طبيب العصبية أن هذا التشوه هو السبب . أما أنا فقد وصلت إلى تصور ما حدث : بعد انتهاء العملية قام المخدّر بلوي عنقي بشدة نحو الأيمن لمصّ المفرزات ، وبسبب تلك العروة الخلقية فقد انضغط الشريان لعدة دقائق مما أدى لتشكل خثرة صغيرة صعدت إلى المحفظة الباطنة مسببة ذلك الخذَلَ في الشق الأيمن . من هو المسؤول إذن ؟ المخدر الذي أعطى مواد مخدّرة أكثر من اللازم و لوى عنق المريض بشدة ولأمد طويل ؟ أم لأن المريض عنده تشوه خِلقي في سباتيه الباطن الأيسر ؟ الآن وبعدما يزيد عن نصف قرن من الزمن ، أتذكر الكتاب الذي أعارنيه الدكتور سكوت من أبردين في اسكتلنده إذ كان في صفحته الأولى هذا التعريف : " التخدير هو الانتباه " . قد يبتسم العديد من الزملاء ويقولون أن هذا ينطبق على كل اختصاصات الطب . في الحقيقة يختلف الأمر حسبما يفهم كل طبيب معنى الانتباه ومقداره . يجب علينا ، نحن الأطباء ، أن نكون دوماً في أشد حالات الانتباه والصحو لكل عمل نجريه ولكل تشخيص نضعه ولكل دواء نصفه ، وألا نتراخى في مراقبة مرضانا وكيفية تطور حالاتهم ، وأن ننقد ذاتنا أثناء وبعد كل عمل جراحي وأن نكون صريحين مع أنفسنا : هل كان العمل الجراحي مُرضياً وبدون أية أخطاء ، صغيرة كانت أم كبيرة ، وألا نألو جهداً في معرفة سبب حدوثها لنتحاشى تكررها في مرات مقبلة ، وألا نرمي اللوم دوماً على المريض وعلى أية " أخطاء استقلابية أو تشريحية خِلقية " كما لو كان الأمر " وتر أخيل " أو "العروة الخلقية في السباتي الباطن " ! على العكس تماماً ، يجب علينا أن نناقش كل حَدَث أو مضاعفة مع أنفسنا بصراحة ، بل ومع زملائنا لكي نصل إلى كنه الحقيقة وتلافيها ، وإلا نكون في حالة تقهقرٍ وتراجع في مستوى ممارستنا ، دون أن ندري . إلى ذكرى الطبيب المخدرٍ الرائع وعالي الهمة والانتباه ، إلى ذكرى الدكتور سكوت من أبردين في اسكوتلنده ، أهدي هذه الكلمات مع كل مشاعر الامتنان والاعتراف بالجميل والتقدير والمحبة . د صادق فرعون - دمشق – سوريا أستاذ سابق للتوليد وأمراض النساء في جامعة دمشق – سوريا Saudi Journal of Kidney Diseases and Transplantation (Vol 18 June 07 ) P307 _________________________ فهرس مواضيع الأستاذ الدكتور صادق فرعون
الحقوق محفوظة طبيب الوب 2014 ©
http://tabib-web.eu - http://www.tabib-web.eu