لم يحلل فرويد سوى طفل وحيد. الصغير هانس، و بواسطة أبيه. و كان يعتبر أن التحليل النفساني للطفل، صعبا و شبه مستحيل. و أنما توصل إلى نظرياته بتحليل نفسيات المرضى البالغين. و من هذا توصل لاكتشاف أن العناصر التي سببت الصدام النفسي و مصاعب الارتباطات تجد جذورها بالسنوات الأولى للحياة و التي أعطاها فرويد أهمية بالغة.
نظرية فرويد تقوم على أن كل العناصر الأساسية التي تكون الشخصية يمكن تفسيرها بتكوين النزوة الجنسية أو الشبق.
لاقت نظرياته بعد طرحها موجة من الصخب عندما تحدث عن جنسانية الطفل. و ذلك لأن الناس لم تفهم من البداية أن جنسانية الطفل لا تعني تطبيق النشاط الجنسي الكامل المعروف للبالغين. و لكنها عبارة عن بحث عن المتعة.
و يعتبر أن فرويد قدم مساهمات كبيرة ساعدت على استيعاب و تفهم مبدأ التناقض الوجداني أو الازدواجية: Le concept d’ambivalence.
و فسر لنا كيف يمكن للطفل أن يكره والديه بمقدار محبته لهما.
هذا التناقض قد يترجم عند الكبار الذين قد يظهرون نفس المشاعر من المحبة و الكراهية للزوج أو الزوجة، للعشيق أو العشيقة، لرب العمل، أو للزعيم السياسي.
هذا الاختلاط بالمشاعر المتضاربة هو أمر منعكس غير واعي مدفون بأعماقنا.
اقتباس:يقول أدوار بيرشير أن فرويد بحد ذاته، يثير عنده نفس المشاعر.
فمن جهة، يقدر له أفكاره و طروحاته بما يخص نظرياته بالتطور الجنسي و التي لم تزل تتداولها أقلام النفسانيين بعده بسنوات، في حين أنه طروحاته بالمجالات الأخرى قد تدور حولها الشكوك و التساؤلات
.
من الأمثلة عن الجوانب الغامضة من أفكار فرويد تفسيره للتولّه الجنسي الذاتي «تركيز الشهوة على شيء معين أو على جزء من الجسم. Fétichisme.
فقد عرفه فرويد بأنه تعلق خاص من الشخص بشيء ما أو حتى بقطعة قماش بدل تعلقه بالمرآة ككائن حي.
أعتبر فرويد أن هذا الشيء الذي يدور حوله التولّه هو ما يحل محل القضيب الذي خاف الشخص من افتقاده عندما كان صغيرا. (يمكن الرجوع إلى المقال الذي يشرح عقدة الخوف من الخصي) أو القضيب الذي افتقده و لم يراه عند أمه. و هو نفسه القضيب الذي تعلق به و افتخر بامتلاكه.
يعتقد فرويد أن أي طفل يمكنه أن يتعرض لصدمة نفسية عندما يرى الأعضاء التناسلية من الجنس الآخر، و عندما يكتشف الصبي بأن المرآة لا تملك قضيب قد يولده عنده حالة من الرعب معتقدا أنه هو أيضا قد يفقد قضيبه.
يعتقد فرويد أن حالة الرعب هذه قد تولد عنده الميل الجنسي المثلي (تفضيل الجنس المماثل Homosexuel ) أو يمكن أن تغذي التوله الجنسي الذاتي فيركز انتباهه على شيء ما و يتجنب هكذا النظر إلى المنطقة الجنسية التي ينقصها القضيب.
و يقول فرويد أن هذا الشيء الذي يتركز عليه الوله الذاتي هو أخر شيء رآه قبل أن يصدم بسبب النظر إلى فرج المرآة.
فأن كان قد رأى رجلها أو حذائها أو محرمتها، أو لباسها الداخلي، نراه يتوله بهذه الأشياء.
يبقى من الصعب التحقق من صحة هذه النظرية لأن أغلب الأشخاص لم يعودوا يذكرون تفاصيل طفولتهم. كما قد يصعب تفسير نفس النظرية بالتوله الجنسي عند المرآة.
فأن رفضنا بعض تفاصيل نظريات فرويد، قد يرى بعضنا أنها قد تحمل في أطيائها لمسات من الحقيقة.
نعود هنا إلى مبدأ التناقض الوجداني الذي يخرج من طيات أفكار و نظريات فرويد.
اقتباس:يقول هافلوك إيليس Havelock Ellis
لا يمكن لكل الناس أن يظهروا نفس ردة الفعل التي يظهرها أصدقائكم و جيرانكم. و بالمقابل لا يمكن دوما لجيرانكم و أصدقائكم أن يكونوا كما تعتقدون.
, أضاف عليها فرويد أن خاصيتكم الجنسية قد لا تطابق في أعماقها ما تفترضون. و كل شيء عشتوه و أحسستم به خلال طفولتكم قد يخرج من حالة ألا شعور و تترك أثرها على احساساتكم و أفعالكم
.
يقول فرويد أن دراسته الجامعية لم تفيده سوى قليلا لدى ممارسته المهنية. و كان يقول أن أغلب زبائنه كانوا يعانون من العصاب بأشكاله العديدة
ـ القلق anxiété
ـ الحرمان frustration
ـ الخوف phobies
ـ الوسواس obsession
هذه النزاعات النفسية قد تولد ـ باعتقاد فرويد ـ أعراض فيزيائية مثل الصداع و الشقيقة و ألم العضلات و ألم المعدة، و اضطرا بات الأمعاء مثل الغثيان و الإمساك.
قسم فرويد مرضاه إلى فئتين
1 ـ المصابون بالخور أو الإنهاك العصبي neurasthénique
2ـ المهسترين، المصابين بالهرع hystérique
تحليل فرويد لهاتين الحالتين المرضيتين كانت ببداية حياته المهنية متأثرة بمن سبقه، و أعطى تفسيرات لم تعد مقبولة بعصرنا.
اقتباس:تذكر مثلا Tissot
الذي كان قد صرح قبله بقرن أن فقدان أونصة من المني يسبب فقر دم يعادل 40 أونصة من الدم.
اقتباس:كما تأثر بـ Krafft Ebing
الذي اعتبر الاستمناء كسبب لعدد هائل من الأمراض الوهمية.
و هكذا، لم يستطع الابتعاد كثيرا عن هذه التيارات التي كانت ترّوج منذ قرون أفكار لم يعد لها بعصرنا الحالي من أي أثر علمي. و لم يعد مقبول حاليا كيف فسر فرويد أن الأشخاص المصابين بالخور هم من يمارسون الاستمناء. و حاول أن يعالجهم بإقناعهم الابتعاد عن هذه الممارسة. و عندما فشل بشكل متكرر، وصلت به الحالة إلى اتخاذ إجراءات قاسية و صارمة مثلا حين وضع مراهقة تحت المراقبة 24 ساعة باليوم لمنعها من اللجوء إلى الاستمناء.
و عندما تكرر فشله، وصل لدرجة أعتبر بها أن التدنيس المسائي (قذف المني أثناء النوم) له نفس أضرار الاستمناء. هذا التفسير تأثر بـ Drysdale و التي يذكر التاريخ أن آرائه دفعت بالعديد من البشر على عتبة الانتحار.
مع مرور الزمن، و بعام 1926 تخلى فرويد عن هذه المعتقدات بعد أن شملت مجموعة زبائنه العديد من الأشخاص المصابين بالخور دون أن يكون عندهم أي ميل نحو الاستمناء أو التدنيس المسائي. بل بالعكس، كانوا يتصفون بالعفة و المحبة. بعضهم كانوا متزوجين و يمارسون الانسحاب الجنسي "أو الجماع المقطوع و هو القذف خارج المهبل كوسيلة لمنع الحمل".
كما وصف فرويد لأول مرة مرض نفسي جديد يدور حول القلق. و أسماه عصاب القلق Névrose d’angoisse و كان يعتقد أن هذا العصاب سببه التجارب الجنسية المخيبة للأمل. ووصل لدرجة الاعتقاد أن استعمال الواقي الذكري هو أحد الأسباب المولدة للقلق. و لكن بشكل اقل من الانسحاب الجنسي.
بالطبع، أن هذه التحليلات لم يعد لها أي صدى و لم يثق بها أحد ممن تلوه فيما بعد.
كان فرويد يبذل مجهودا كبيرا بالبحث عن سبب المشاكل النفسية عند زبائنه، و كان يحاول دوما العودة إلى التاريخ القديم للشخص كي يبحث به عن أي حادثة قد تكمن وراء حالته. و استعمل لهذا طريق خاصة بالتحليل النفسي أسماها المشاركة الحرة Libre association كان المريض يسلتقي مستريحا على ديوان دون أن يرى محلله. و يطلب منه أن يروي كل ما يدور بخاطره دون أن يعطي لما يرويه أي أهمية أو اعتبار أنه مهم أو مخجل. و كان يحاول الصعود مع مريضه إلى سنوات طفولته الأولى.
و بهذا الشكل وصف فرويد بعام 1895 العديد من حالات الهستريا التي تعود إلى عمليات أو ملامسات جنسية، غالبا قسريّة بالسنوات الأولى من الحياة و غالبا ما يقوم بها الأب. و قد تنقصي سنوات عديدة قبل أن تتظاهر العلامات الأولى للهلوسة.
عندما أعلن فرويد نتائجه هذه بمؤتمر للأطباء النفسيين بفينا لاقى سخرية الحضور، و تسائل العديد من زملاءه عن العديد الكبير من الاعتداءات الجنسية التي يتعرض لها الأطفال و التي يجب أن نبحث عنها عند العدد الكبير من المرضى المصابين بهذا المرض الشائع. و استهزئ منه رئيس الجلسة معتبرا أرائه بأنها ليست أكثر من روايات خرافية سحرية علمية Conte de fées scientifique فأجاب بأن هذا الاكتشاف مهما لدرجة تعادل اكتشاف منابع النيل بالجغرافية.
مرة أخرى يتظاهر التناقض و الازدواجية بآرائه، لدرجة أنه تراجع عن هذه النظرية بعد أربعة أشهر، و عاد إلى الاعتقاد بأن هذه الروايات لم تكن أكثر من أوهام و فانتازام شارك هو بنفسه و دفع مريضه للتصريح عنها.
رغم هذه الانزلاقات الكبيرة التي وقع بها فرويد، قد تدفعنا رواياته إلى لمس بعض من جوانب الحقيقة. فالأمر الذي أقره بحين أخطأ به معاصريه هو الاعتقاد بأن الطفل يلد عديم الجنس "خنثا" و يبقى غير فعّال جنسيا لحد البلوغ.
و الحقيقة كما أظهرها فرويد بعد ذلك هي أن الأطفال هم بالفعل عقدة صغيرة للطاقة الجنسية. Petit nœud d’énergie sexuelle.
و هكذا فقد قضى فرويد ما تبقى له من عمر بدراسة الآثار التي تخلفها الحياة الجنسية قبل البلوغ على الإنسان البالغ.
و أعتبر فرويد أن اكتشافاته لجنسانية الأطفال هي واحدة من أهم اكتشافات التحليل النفساني.
و من نظرياته:
1ـ الحياة الجنسية لا تبدأ عند البلوغ، و لكنها تتظاهر بأشكال عديدة باكرا بحياة الطفل، بعد الولادة بقليل.
2ـ من الأفضل أن نميز بين المعنى المجرد لما هو جنسي و لما هو تناسلي oncepts de sexuel et de génital فما هو جنسي يأخذ معنى واسع جدا يشمل العديد من الفعاليات التي لا تتعلق بأعضاء التناسل.
3ـ الحياة الجنسية تشمل وظيفة تسمح بالحصول على المتعة من أماكن مختلفة من الجسم. هذه الوظيفة ستأخذ فيما بعد دورها كوظيفة أخرى لها مهمة التكاثر. و لكن قد لا تتلاقى هاتين الوظيفتين أي الجنسانية و التكاثر، قد لا تتلاقيا دوما.
و هكذا فقد أطلق فرويد تعبير أنشهر كثيرا و تناقلته الألسن و مفاده أن الطفل هو منحرف صغير عديد الأشكال Petit pervers polymorphe.
كما أن العديد من المعاني المجردة التي وضعها دخلت بقواميسنا و ما زالت تتناقلها ألسن المحللين النفسانيين
مثل
المعنى المجرد للـ أنا le concepts de moi
الهذ اLe cà
الأنا المثالي Le surmoi
ما قبل الوعي Le préconscient
الغير واعي L’inconscient
الطاقة الجنسية ليبيدو L’énergie sexuelle (libido)
المناطق الحسية المثيرة Les zones érogènes
L’ambivalence
Le narcissisme
Le refoulement
Le transfert
La fixation
La régression
La sublimation
عقدة أوديب Le complexe d’oedipe
عقدة الخوف من الخصي Le complexe de castration
كيف يمكن التأكد من صحة نظرياته؟ فخلافا للأمور الملموسة، تبقى نظريات التحليل النفساني قيد الجدل.
يجيبنا فرويد بأن الصمت يخيم فوق العديد من الأمور المحظورة "تابو" و أن الكثير من الظواهر الواضحة يجابهها نوع من العمى الذهني Cécité intellectuelle .
و المعلومات التي يعطيها التحليل النفساني لا يمكن استخراجها دون القيام بعدد كبير من التجارب و الملاحظات.
يبقى فرويد، بنظر العديد من النفسانيين الذين تلوه واحدا من كبار الرواد الذين مهدوا لهم الطريق. و يضعوا نظرياته بمستوى نظرية التطور لداروين و نظرية النسبية.
تكمن قيمته بكونه واحدا من أوائل الأطباء الذين كانوا يستمعون لمرضاهم و يعطيه كل وقته. استفاد النفسانيين اليوم من أخطائه بقدر استفادتهم مما أصاب به، و أصبحت نظرياته مقياسا بالتحليل النفسي، حتى أن من تلاه يصنفون أنفسهم و نظرياتهم أنها فرويدية، أو غير فرويدية أو مضادة للفرودية.
يعتبر فرويد أن الانحراف هو نوع من عدم النضج. إذ يستحيل على البعض الاستغناء عما ورثه من طفولته المنحرفة عديدة الأشكال. عدم النضج ليس مديحا، و لكنه يبقى أخف وطأة من الوصف بالأجرام أو بحمل الأمراض المخجلة.
كسر فرويد الكثير من حواجز الحظر و الممنوع "تابو"، و بفضله بدأت البشرية تتحدث بحرية أكثر عن الجنسانية.
و لكن هذا لم يمنع أن بعض أرائه و نظرياته أصبحت بأيامنا هذه بالية: مثلا كان يروج بأن مركز الإحساس الرئيسي عند المرآة يتوضع بالبظر بمرحلة الطفولة، مما يفسر الرغبة بالاستمناء. ثم ينتقل إلى المهبل دليل النضج الذي يدفع النساء إلى الجنس الآخر. بالواقع أثبتت اختبارات من تلاه أن البظر يبقى أكثر الأماكن الحساسة جنسيا عند المرآة.
كما كان يعتقد بأن الجنس الأساسي هو المذكر. بحين أظهرت الدراسات أن العكس هو الصحيح. فالتطور الجنيني للجنس يتوجه نحو المؤنث. و فقط وجود الهرمون المذكر "أنتي موليرين" عند الذكور يسبب أنحراف التطور و التوجه نحو الذكورة.
الخلاصة
لا نهدف من هذه الأسطر التعظيم من فرويد و لا التمسك بآرائه الأولية و لا الثانوية و التي قد لا نوافق عليها بمجملها و بتفاصيلها. عندما نقرأ له ما كتبه عن عقدة أوديب و عقدة الخصي قد نندفع عفويا، الى وصفها بالروايات الخرافية العلمية Conte de fées scientifique قد يرفض العديد منا هذه النظريات و لا يعتقد بصحتها. و لكن عندما يحاول البعض الآخر أن يبحث لها عن صدى بحياتهم الشخصية قد يعثرون على بعض الذكريات و يقولون، هذا تماما ما حصل معي عندما كان عمري 3 سنوات. و ربما تلفت نظر العديد من الآباء و المربين لملاحظة التصرفات الطفولية التي لم يكونوا قد انتبهوا لها بالسابق.
و بالنهاية لا بد و أن نجد بها بعضا من جذور الحقيقة. و ربما دفعت العديد من قراء هذه الأسطر إلى الامتناع عن تهديد الطفل بخصيه أو بقطع قضيبه، خاصة عندما يلامسه أو يلعب به.
ربما تساعدنا هذه الأسطر كي نفهم أين تجد وظيفة الاستمناء جذورها الطبيعية.