المقدمة
أراء طبية حرة
شعر
قصة قصيرة، حكايات طبية
أقلام حرة
أسئلة متنوعة و متكررة
في رثاء الراحلين
حقوق الانسان بالاسلام
فن و موسيقا
منوعات
روائع نزار قباني
رياضة الغولف Golf
من التراث العربي
قصص من تراث اللاذقية
مخطط الموقع
باب قصة قصيرة، حكايات طبية - الصفحة (8) - كل ما لا علاقة له بالطب - منوعات
القميص الأحمر
د عمر فوزي نجاري
لقميص الأحمر الآن وبعد مرور ما يزيد على ثلث قرن على عملي كطبيب جراح، أدركت فعلاً أنّ هذا ليس مجال عملي ولا موضع اهتمامي، أدركت فعلاً أنني لم أخلق لأكون طبيباً جراحاً، فمنذ أن بدأت عملي في هذا المجال منذ ثمانينات القرن العشرين وأنا اشعر بأنّ هنالك صراعاً ما بداخلي، تصرفاتي كما أقر واعتقد لم تكن تتماشى مع كوني طبيباً جراحاً؟!. العاملون معي في قسم الجراحة كانوا يلاحظون تناقض شخصيتي مع واقعي، ولكنهم على ما يبدو لم يكونوا بقادرين على مصارحتي خشية ردود أفعالي والتي كانت غالباً ما تنفجر لأتفه الأسباب ( كطنجرة الضغط=البريستو ). ذات يوم قريب، صارحتني إحدى زميلاتي في العمل وقالت لي: أنت لم تعد صالحاً للعمل كطبيب جراح.. أنصحك بالبحث عن عمل آخر؟!. في البداية صعقتني صراحتها الفجة، لكنني سرعان ما أدركت صواب حدسها وصراحتها!. محقة أنت يا (منى)، لا شك أنني لم أعد بقادر على الاستمرار في عملي كطبيب جراح وعليّ منذ هذه اللحظة أن ابحث عن عمل آخر أحقق فيه ذاتي وابرز فيه شخصيتي الكامنة في أعماقي!. تعاطف معي بقية زملائي في العمل مؤكدين على دعمهم المعنوي لي ولشخصي ولذاتي، معبرين لي عن مدى حبهم وإخلاصهم ومؤكدين لي أنّ ابتعادي عن مهنة الجراحة ستفرّج من كرباتي وتعدل مزاجي وأنّها حتماً ستساهم في إطلاق ذاتي وطاقاتي الكامنة من قمقمها الحبيس في طب الجراحة. نفسيتي كانت تزداد اضطراباً يوماً بعد يوم وتزداد أعصابي توتراً وشدة، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي اتخذت فيه قراري الحاسم!. كان صباحاً وردياً فاقع اللون يوم توجهت إلى عملي وقد حسمت قراري. وكان أصدقائي في العمل أكبر مشجع لي على الانطلاقة الجديدة نحو حياة جديدة. كنت في قرارة نفسي المضطربة قد أخذت قراري ولا رجعة فيه، جميعهم كانوا يعلمون ذلك من خلال تعابير وجهي وحركاتي وتصرفاتي، فقد اعتادوا على معرفة ما يضمره عقلي وقلبي من تصرفاتي قبل أن يعلنها لساني. ليست سوى لحظات قليلة تلك التي تفصل بين تصرفاتي وبين ما يجعل لساني ينطلق معلناً بداية مرحلة جديدة من حياتي. إنّها حياتي الخاصة ولكنها بلا شك تعني الكثير لكل من يشاركني العمل والصحبة والرفقة، وهم فعلاً يدركون ذلك تمام الإدراك. إلاّ أنّ ما لم يستطيعوا إدراكه كان ذلك القرار الذي تم اتخاذه صبيحة ذلك اليوم . * * * الجميع من حولي شباب في مقتبل العمر وقد خط الشيب رأسي واستولى على معظم ما تبقى لي فيه من شعر، وقد ترهل وجهي وبدت فيه أخاديد العمر ومساربه، وقد تبارز بطني قليلاً نحو الأمام، بداية ( كرش ) لم ألحظه إلاّ اليوم، ناهيك عمّا ألبسه وأرتديه، ثياب أضحت أزياءً لا تتناسب مع جيل الشباب من حولي.. قامات هيفاء، قمصان بألوان زاهية، وبناطيل تحيط بالجسم إحاطة السوار بالمعصم، رؤوس يزينها شعر منتصب اسود أو مشقر، أعناق مزينة بقلادات قماشية وكذا المعاصم، ناهيك عن روائح العطر الفواحة؟!. استعرضت الجميع بنظرات سريعة متفحصة، شعرت بالغربة لأول مرة، ترددت في قرارة نفسي، قررت ألاّ أتراجع، لقد ضحيت بثلاثين عاما من العمل كطبيب جراح، لا لشيء إلاّ لأتمكن من الاستمرار والانطلاق من جديد!. في اليوم التالي وفي نفس المكان، حيث يجتمع الأطباء الذين يتابعون اختصاصهم في الطب المخبري، كنت موجوداً، ولكن بما يتناسب مع ما يرتدونه من أزياء تناسب أعمارهم، بنطال من الكتان السمني اللون مع قميص أحمر فاقع، وجوارب بيضاء مع حذاء أسود لماع، وقد قمت بصبغ الشعر باللون الأسود المحمر مع تطبيق مواد تساعد على جعله يقف قدر المستطاع، مع تطبيق الكثير من كريمات شد جلد الوجه، مع حلاقة ناعمة جداً للذقن!. ازداد الشعور بأنني أكثر قرباً إليهم.. بل وربما شعرت أنني أصبحت واحداً منهم، أو هكذا خيل إليّ..، وهذا ما أكده الطبيب الشاب المتدرب( سعيد) عندما اقترب مني مستوضحاً عما إذا كنت طبياً ذكرا ً أم أنثى؟!. وضعني أمام متناقضين لا يمكن الجمع بينهما، وقد تطلب إيضاح الأمر مني أن أقوم برفع قميصي الأحمر والقميص القطني الداخلي وأكشف له المستور من بطني المتكرش وصدري المترهل الممتليء بشعر بيضته السنون، عسى أن أكون بتصرفي هذا قد بينت له بشكل لا لبس فيه أنني طبيب ذكر!. تأملني( سعيد) طويلاً، ثم أخذ نفساً عميقاً، ثم عاد أدراجه نحو زملائه الجالسين على الطاولة المجاورة ، وقد سمعته أذناي يقول لهم: زميلنا الجديد ليس بذكر ولا أنثى، إنّه طبيب خنثى !. _________________________ فهرس مواضيع الدكتور عمر فوزي نجاري
الحقوق محفوظة طبيب الوب 2014 ©
http://tabib-web.eu - http://www.tabib-web.eu