المقدمة
أراء طبية حرة
شعر
قصة قصيرة، حكايات طبية
أقلام حرة
أسئلة متنوعة و متكررة
في رثاء الراحلين
حقوق الانسان بالاسلام
فن و موسيقا
منوعات
روائع نزار قباني
رياضة الغولف Golf
من التراث العربي
قصص من تراث اللاذقية
مخطط الموقع
باب قصة قصيرة، حكايات طبية - الصفحة (8) - كل ما لا علاقة له بالطب - منوعات
(12) حكايات الحاج مصطفى سراج (المعاملة بالمثل)
د. عمر فوزي نجاري
(12) حكايات الحاج مصطفى سراج (المعاملة بالمثل) (ما أُعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر). والصبر من النعم العظيمة التي منَّ الله بها على (الحاج مصطفى سراج)، إذ لم أصادف في حياتي رجلاً أقدر على الصبر منه، صبرٌ اقترن بحكمة وحنكة قلَّ أن نجدها مجتمعة عند شخص ما!. وما حكايته هذه مع (حميدوش) سوى تجسيد حي لاجتماع الصبر مع الحكمة والحنكة. وإذا كنا نسمع بين الحين والآخر عبر وسائل الإعلام المحلية أو العالمية نبأ يتعلق بطرد دولة ما لدبلوماسيي دولة أخرى رداً على طرد تلك الدولة لدبلوماسييها، فإنّ هذا ما يُطلَق عليه بالعرف الدبلوماسي (المعاملة بالمثل). هذا الأسلوب الدبلوماسي (المعاملة بالمثل) أتقنه الحاج مصطفى سراج ببراعة فائقة وكان يطبقه في حياته العملية تطبيقاً امتاز بحنكة فذة وذكاء حاد. في شارع هنانو، وهو الشارع الرئيس لحركة التجارة في مدينة اللاذقية، في تلك الأيام، كان الحاج مصطفى سراج يمتلك محلاً تجارياً كبيراً يوزع من خلاله المواد الغذائية على اختلاف أنواعها وكان في تعامله مع تجار المفرق وتجار الدكاكين الصغيرة، ليناً وسهلاً ومتسامحاً إلى أبعد حد، ولذلك تجده وقد سيطر على سوق تجارة المواد الغذائية في المدينة، إذ كان يرضى بالربح القليل، ويتساهل مع زبائنه بطريقة سداد الثمن، إذ غالباً ما كان يعطي بضاعته لتجار الدكاكين والمفرق بالدين على أن يسددوا ثمنها بعد بيعها.. ولو بعد حين!.. هو في تعامله مع البشر كان يدرك تماماً أنّ الناس أجناس وأنّ منهم الخيّرون الأفاضل أصحاب الذمم، ومنهم أهل الباطل والشر وأكل أموال الناس بالباطل، وأنّ منهم أبالسة الأنس.. ومع ذلك ...كان يعرف كيف يتعامل معهم وكيف يتحصل على حقه منهم إذا ما راوغوه وماطلوه أو حاولوا النصب عليه، إذ كان قادراً على استخلاص الغيث من الغيوم القاتمة. و ذات يوم جاء (حميدوش) وهو صاحب محل تجاري صغير في شارع القوتلي، متودداً وراغباً في التعامل مع الحاج مصطفى سراج، ولم يكن الحاج مصطفى على معرفة مسبقة بالسيد (حميدوش) ولم يسبق له أن تعامل معه!.. طلب (حميدوش) من الحاج مصطفى كمية كبيرة من البضائع والمواد الغذائية لمحله على أن يتم تسديد ثمنها بعد أن يبيعها في متجره على دفعات أسبوعياً.. وسرعان ما وافقه الحاج مصطفى على ذلك دون أن يطلب منه أية ضمانات، وذلك كعادته في تعامله مع زبائنه، وأعطاه من البضائع والمواد الغذائية ما أراد، متوكلاً على الله وحده. مرَّ الأسبوع الأول، وتلاه الثاني والثالث.. وانقضى شهر ولم يسدد (حميدوش) للحاج مصطفى أي مبلغ كما وعد!.. ثمّ مرّ شهر آخر ثم آخر.. إلى أن بدأ صبر الحاج مصطفى ينفذ، وضاق صدره من مماطلة (حميدوش) دون أن يبدي غيظه بشكل واضح، ناصحاً (حميدوش) وبأسلوبه الرقيق المعتاد أنّه ما هكذا يتم التعامل على من أكرمك وأعطاك ثقته وماله!.. كانت حجة (حميدوش) عدم امتلاكه لثمن البضاعة التي باعها وأنّه لا بد وأن يسدد ثمنها يوماً ما!.. ومرّت الأيام واستمر (حميدوش) في مماطلته ومراوغته المعتادة. في هذه الأثناء تفتق ذهن الحاج مصطفى سراج عن فكرة رائدة لا سابقة لها بهدف تحصيل مديونيته من (حميدوش).. وبدأ بتطبيقها!!. مرّ الحاج مصطفى على تاجر يعرفه تمام المعرفة ويمتلك محلاً تجارياً مجاوراً لمحل (حميدوش) في شارع القوتلي واتفق معه على تعويمه بالبضائع وبأسعار مغرية وأن يكون الدفع بعد البيع!.. وتمّ الأمر وفتح الله على ذلك التاجر الصغير وتدفق أهل الحي والأحياء المجاروة للشراء من عنده لرخص أسعاره ولتوفر ما يريدونه من لوازمهم لديه. سمع (حميدوش) بالصفقة التي تمت بين الحاج مصطفى سراج وجاره، وكان يتابع حركة البيع المتسارعة عنده مما دفعه للتوجه لعند الحاج مصطفى سراج طالباً منه أن يمده بأصناف البضائع والمواد الغذائية بأنواعها ليملأ مخزنه ويصبح أكثر قدرة على المنافسة. وعده الحاج مصطفى بذلك..ولكنه لم يلبه...ولما كرر (حميدوش) مطالبته، أجابه الحاج مصطفى: سأعطيك، سأعطيك، فجارك ليس بأحسن منك، ولكن عليك أولاً أن تسدد ما عليك من ديون وسوف أعطيك ضعف ما أعطيت جارك من بضائع!!. (حميدوش) لم تصدق أذناه ما سمعت..وكرر قوله للحاج: هل ستعطيني ضعف ما تعطي جاري... أجابه الحاج مصطفى: نعم، ضعف ما أعطيه، شرط أن تسدد ما عليك، ولكي تصدقني- إن كنت لا تصدق- لا تدفع لي قرشاً واحداً قبل أن أعطيك كامل طلباتك!. فرح (حميدوش) كثيراً وغادر متجر الحاج مصطفى سراج ليعود صباح اليوم التالي ويطالب الحاج بتطبيق ما اتفقا عليه البارحة. وبالفعل سرعان ما أمر الحاج مصطفى عامله الطنبرجي ديب والذي كان مسؤولاً عن نقل البضائع من محله إلى زبائنه بواسطة (الطنبر)، أمره بأن يُحمّل طنبره بكل ما يريده (حميدوش) من بضائع ومواد غذائية. (حميدوش) لم يكن يصدق ما تراه عيناه وهو يشير للطنبرجي (ديب) بتحميل كذا وكذا وكذا من المواد والبضائع، وديب ينفذ طلباته حرفياً دون تأفف أو تذمر، إلى أن امتلأ الطنبر بالبضائع، وهنا جاء دور الحاج مصطفى الذي توجه إلى (حميدوش) وقال له: ها أنا ذا قد أنفذت وعدي واتفاقي معك.. الآن ادفع ما عليك من دين سابق!.. مدّ (حميدوش) يده إلى جيبه وأعطى الحاج مصطفى كامل المبلغ المتوجب عليه. بعد أن استلم الحاج مصطفى المبلغ ضحك ضحكة مدوية ثم صاح بعامله الطنبرجي (ديب) قائلاً: والآن يا ديب انزل البضائع واعدها إلى أماكنها داخل المحل فلقد تحصلنا على حقنا!!. طاش عقل (حميدوش) من المقلب الذي أكله، وتسمرت عيناه وجف حلقه وبدأ يصيح: ما هذا يا حاج، ما هكذا اتفقنا..هذا لا يجوز!.. أجابه الحاج مصطفى قائلاً: اذهب يا بني اذهب إلى دكانك.. من يعاملني هكذا أعامله بالمثل. ثم جلس على مقعده المريح في متجره. _________________________ فهرس مواضيع الدكتور عمر فوزي نجاري
الحقوق محفوظة طبيب الوب 2014 ©
http://tabib-web.eu - http://www.tabib-web.eu