المقدمة
أراء طبية حرة
شعر
قصة قصيرة، حكايات طبية
أقلام حرة
أسئلة متنوعة و متكررة
في رثاء الراحلين
حقوق الانسان بالاسلام
فن و موسيقا
منوعات
روائع نزار قباني
رياضة الغولف Golf
من التراث العربي
قصص من تراث اللاذقية
مخطط الموقع
باب قصة قصيرة، حكايات طبية - الصفحة (8) - كل ما لا علاقة له بالطب - منوعات
حكايات الحاج مصطفى سراج (المساومة)
د. عمر فوزي نجاري
حكايات الحاج مصطفى سراج (المساومة) منذ نعومة أظفاره، و لمّا يتجاوز سن الطفولة بعد، بدأ حياته العملية كبيراً، فكان بحق الطفل الرجل، أو إن شئت قُل الرجل الطفل، فعلى عاتقه أُسْنِدَت مسئوليات جسام عقب تعرض والده الحاج محمد سراج - رحمه الله- إلى حادث أقعده في المنزل لسنوات طِوال، فكان على الابن البكر(مصطفى) أن يتولى مهام والده في إدارة أعماله و ممتلكاته، من تسيير لرحلات النوق والجمال الخاصة بنقل الحجارة المعدة لبناء قصور وبيوت أثرياء المدينة وأعلامها، و تسيير إدارة (فرن السراج) الكائن في (حارة النصارى) والتي أُطلقَ عليها بعد الاستقلال اسم شارع هنانو، وقد كانت إدارته للفرن، أولى مهامه والتي أثبت من خلالها قدرته الفائقة على إدارة أعمال والده. حدث ذلك مطلع ثلاثينيات القرن العشرين المنصرم، وكانت تلك أولى درجاته في سلم النجاح والعطاء، تلك الدرجات التي امتدت زهاء تسعة عقود. من خلال نجاحه في إدارة الفرن و تطويره لاحقاً، تعلّم فن التجارة واحترفها، وتعلم فن الصناعة وأتقنها، بل أصبح أستاذا فيهما معاً، ومن الجمال والنوق اكتسب صفة الصبر والمصابرة، فكانت خير عون له في حياته المشرقة لاحقاً. في أواخر أيامه، كنت التقيه يومياً، وهو في طريق عودته من ورشاته إلى منزله المجاور لمنزلي، وكعادته يتحرك دائماً سيراً على الأقدام، فهو يذهب صباحاً باكراً إلى عمله الذي يبعد عن مكان إقامته قرابة الأربعة كيلومترات سيراً على الأقدام ليعود إلى منزله مع غروب الشمس سيراً على الأقدام أيضاً. وكان كعادته في كل لقاء لي معه وهو في طريق عودته، أن يستوقفني للحظات معدودات، وقد اسند جسمه إلى عصا يتكئ عليها بيمينه منذ أن أجرى عملية استبدال لمفصل ركبته في الجامعة الأمريكية في بيروت، وكنّا خلال لقائنا نتبادل التحيات و ما يتيسر لنا من كلمات قليلات جامعات ومعبرات. كانت الابتسامة تعلو محياه دائماً مهما كانت الظروف، ولطالما تأملت وجهه المليح الحنطي اللون وعينيه الضاحكتين أبداً. كان على الدوام يعلن و بصراحة عدم رضاه عن الجراحة التي أجريت لركبته، والتي تم من خلالها استبدال مفصل الركبة بمفصل اصطناعي. حدث ذلك منذ عشر سنوات مضت اثر تعثره في طريق عودته إلى المنزل بجذع شجرة مجزوز من فوق الأرض مما أدى إلى إصابته برض شديد في ركبته، تطلّب ذلك علاجات عديدة دون جدوى، إذ استمر ألم الركبة ملازماً له خلال تنقلاته و حركاته علاوة على إعاقة حركته المعتادة...ولكنه واظب -رغم ذلك- على الاستمرار في رياضته المعتادة ... السير!. عِشقُهُ للسير لا يوصف، إذ يندر أن تجده جالساً بلا عمل، فهو في حركة دائمة ونشاط دائب. يومها كانت عمليات استبدال مفصل الركبة بمفصل صنعي، في بواكيرها، ولم تكن تقنياتها قد وصلت إلى سورية بعد، مما استدعى سفره إلى بيروت حيث الجامعة الأمريكية التي كانت تًجرى فيها مثل هذه العمليات وقتذاك!. من منكم يستطيع أن يفكر أو يطرح، وهو بكامل الثقة بالنفس، ما فكر به الحاج مصطفى سراج-رحمه الله- و طرحه و ساوم عليه يوماً ما مع دكتور كبير في جراحة العظام ويعمل في مشفى الجامعة الأمريكية في بيروت؟!!. وكان مصاباً في ركبته ويتحتم عليه إجراء جراحة استبدال لمفصل الركبة!. كانت لديه الجرأة التامة التي تجعله يواجه طبيباً نطاسياً، وهو الذي ابعد ما يكون عن الطب، إذ نهض أمامه فارداً طوله، ليقول للطبيب بعد طول تفكير، وقد شاهد الأدوات التي ستستعمل في جراحة استبدال المفصل من مناشير و مطرقة و مسامير...الخ. قال للدكتور وبكل جدية: دكتور ما هي تكلفة هذه العملية؟. رد الطبيب قائلاً: عشرة آلاف دولار. تأمل الحاج مصطفى سراج-رحمه الله- الطبيب، ثم قال له: دكتور أيناسبك أن تأخذ أجرك كاملاً-عشرة آلاف دولار- و تتركني أعود إلى بلدي دون إجراء هذه الجراحة!!. هذا هو الحاج مصطفى سراج-رحمه الله-. هل منكم من يساوم الطبيب على أن يدفع له كامل أتعابه مقابل عدم إجراء الجراحة المطلوبة؟!!. حقاً، هو تاجر، ولكن ليس كبقية التجار!.. هو يعرف متى يساوم وكيف يساوم ولماذا يساوم. إنّه قمة المساومة
الحقوق محفوظة طبيب الوب 2014 ©
http://tabib-web.eu - http://www.tabib-web.eu