المقدمة
أراء طبية حرة
شعر
قصة قصيرة، حكايات طبية
أقلام حرة
أسئلة متنوعة و متكررة
في رثاء الراحلين
حقوق الانسان بالاسلام
فن و موسيقا
منوعات
روائع نزار قباني
رياضة الغولف Golf
من التراث العربي
قصص من تراث اللاذقية
مخطط الموقع
باب قصة قصيرة، حكايات طبية - الصفحة (8) - كل ما لا علاقة له بالطب - منوعات
(8) حكايات الحاج مصطفى سراج (دياب وحماره)
د. عمر فوزي نجاري
(8) حكايات الحاج مصطفى سراج (دياب وحماره) شبَّ الحاج مصطفى سراج عن الطوق صبياً يافعاً معتمداً على نفسه، فكان العمل حياته وكيانه وإرادته أيضاً. فقد ظلَّ طوال حياته حبيس عمله ورهن إرادته، مما جعله يتفوق على أقرانه بجده وعمله الدؤوب وذكائه المتميز. لم يكن الحاج مصطفى يلتفت إلى ثرثرة الناس ولا يُعير أي اهتمام إلى صِغارِ عقولهم!. عندما أجلس وحيداً مع ذكرياتي وأطيافي، عندما أغوص في أعماق ذاكرتي، اذكره بقامته الطويلة الممشوقة ومشيته الثابتة الواثقة و وجهه الصبوح وعينيه اللامعتين وابتسامته التي لا تغادر شفتيه، عَرِفَه أصحابه في الملمات وعَرِفَه من احتاجه عند الحاجه إليه، أثنى عليه الكثيرون وتقرب منه البعيدون!. إذ ثبت عنه الصدق في تعامله مع الآخرين. أحبَّ الخير فأحبه أهل الخير، إذ كان للجار عنده حق الجوار، وللقريب عنده حق القرابة، كان سلامه على الدوام ابتسامة تعلو محياه. جميعنا في حياته يواجه لحظات فشل، لكن الحاج مصطفى سراج امتاز عن الآخرين بكونه كان يضحك منها وعليها!. وكان الأقدر على التمييز بين ما هو أصيل و ما هو زائف، وهنا يكمن سرُّ نجاحه في عمله. ففي متجره الكائن في شارع هنانو وسط مدينة اللاذقية، وهو مكان تجاري هام جداً في تلك الأيام، كان مع شريكه في العمل الحاج ماجد جانودي رحمهما الله... كانا يعملان معاً في مجال تجارة المواد الغذائية بأنواعها...كان المتجر بمفهوم العصر الحالي( مول تجاري متكامل) بإمكانك أن تجد فيه كل ما يخطر على بالك من مواد غذائية: سكر، أرز، سمنة، طحين، زيوت بأنواعها، حبوب بأنواعها، أجبان وزبدة بأنواعها المعروفة، ملح وبهارات، سوس وخرنوب، معلبات بأنواعها، شاي بأنواعه، قهوة بأنواعها، كاكاو و جوز الهند وجوز ولوز وكل أنواع المكسرات...الخ. كل ما يمكن أن يخطر على البال موجود عنده.. وقد لا تصدقوا إن قلت لكم أنّه كان يبيع حتى مادة (الأمونياك) وقد كانت هذه المادة مخزنة عنده ببراميل خاصة سوداء اللون وكانت ذات رائحة كريهة جداً وكان العمال يتثاقلون ويتهربون عندما يأتي أحدهم لشراء هذه المادة بسبب رائحتها الثاقبة الواخذة الكريهة...و لا اشك في أن أمريكا لو سمعت آنذاك بها، وأنّه كان يبيعها لطالبته بتسليم الكيماوي فوراً!!.. في متجره أيضاً، يمكنك أن تجد الصابون بأنواعه (غار حلب وغار كسب) والتايد ونيلة الغسيل وفراشي الأسنان ومعاجين الأسنان ومعاجين الحلاقة وشفرات الحلاقة ونكاشات الأسنان، علاوة على العلكة والبسكوت والراحة بأنواعها والـ بمبون(دروبس) والمحارم بما فيها المحارم النسائية، وحتى طعام الطيور والعصافير(كالقنبز). كان هذا في مدينة اللاذقية في ستينيات القرن العشرين، يومها ابتكر الحاج مصطفى سراج فكرة خدمة التسويق وإيصال الطلبات إلى المنازل، فكرة لم تكن قد خطرت على بال أحد، حيث أسس لهذه الفكرة ونفذها على أحسن حال، كان ذلك منذ أكثر من ستين عاماً، أي قبل أن تعرف البشرية خدمة الانترنت وخدمة إيصال البضائع من البائع إلى المشتري مباشرة!. كانت سيدات اللاذقية وأبناء الطبقة المخملية فيها يطلبون عبر الهاتف ما يريدونه، وكانت طلباتهم تجهّز فوراً وتوضّب وتعلّب في علب كبيرة وتغلق جيداً ويُكتب عليها اسم الزبون وعنوانه... وبعد تجهيز كافة الطلبات يأتي دور التوصيل إلى الزبون!. أمّا كيف كان يتم إيصال الطلبات إلى أصحابها في تلك المرحلة من الزمن فأمر قد لا يخطر على البال؟!. لم يكن للسيارات أو لوسائط النقل الأخرى المعروفة دور في ذلك، وذلك لقلتها في تلك المرحلة من الزمن، لذا اعتمد الحاج مصطفى سراج طريقته المبتكرة في إيصال الطلبيات بواسطة الطنبر( وهو عبارة عن عربة يجرها حمار) ويعرف سائقها بالطنبرجي وكان دياب(أبو محمد) اشهر طنبرجي في اللاذقية في تلك الأيام هو من يعمل تحت إمرة الحاج مصطفى سراج في إيصال الطلبات لأصحابها، إذ كان جاهزاً على الدوام قرب محله لإيصال الطلبات إلى منازل اصحابها!. لم يكن للطنبرجي أو للعاملين في نقل الطلبات إلى المنازل أن يأخذ أجراً من صاحب الطلب، ولكن لا بأس أن يأخذوا البقشيش!. تلك كانت ابداعاته في العمل والتي أتت أُكُلها نجاحاً باهراً وتميزاً ما بعده تميز على مستوى المدينة والريف... كانت الطلبات تصل إلى أصحابها كاملة دون تأخير، وكان لحمار دياب (أبو محمد) دور مميز في إنجاز هذه المهمة، مما جعل من دياب وحماره سمتين اساسيتين من سمات اللاذقية في تلك المرحلة الزمنية!. حقاً كانت تلك أول خدمة توصيل إلى المنازل تعرفها اللاذقية.. وربما غيرها من مدن العالم المتحضر. تقلّبت الأيام فكان عمل الحاج مصطفى سراج وصدقه في تعامله مع الآخرين ومحبة الناس له، اصحابه إلى اللحد. رحمك الله حاج مصطفى سراج وجعل الجنة مثواك.
الحقوق محفوظة طبيب الوب 2014 ©
http://tabib-web.eu - http://www.tabib-web.eu