المقدمة
مستجدات طبية
صحة عامة
الأمراض النسائية
أمراض الأطفال
مواضيع بالأمراض الداخلية
الثقافة الجنسية
أمراض منتقلة عن طريق الجنس
الجهاز التناسلي المؤنث ـ تشريح
الجهاز التناسلي المذكر
مشاكل جنسية ـ رجال
مشاكل جنسية ـ نساء
مواضيع للأطباء و طلاب الطب
قصة قصيرة، حكايات طبية
أقلام حرة
صفحة خاصة: الأمراض النسائية
صفحة خاصة: تعرفوا على انفسكم
صفحة خاصة: عن الحمل و الجنين
صفحة خاصة: صحة عامة
صفحة خاصة: ثقافة جنسية
صفحات خاصة بالأطباء و طلاب الطب
صفحة خاصة: مواضيع غير طبية
للقراءة قبل طرح السؤال
من التراث العربي
مخطط الموقع
باب قصة قصيرة، حكايات طبية - الصفحة (10) - الصفحة الرئيسية - الصفحة الأولى 2014
من الأسلم أن يولد رأس الإنسان أولا
الأستاذ الدكتور صادق فرعون
من الأسلم أن يولد رأس الإنسان أولا . د .صادق فرعون منذ وقت طويل وأنا أفكر : لماذا لا يكتب الطبيب عن خفايا حياته المهنية ؟ ولكن الطب، ومنذ أقدم الأزمنة، مهنة تختلف تماما عن غيرها من كل المهن، لها سماتها الخاصة ولها أسرارها التي لا يجوز للطبيب أن يرفع الستار عنها . ومع ذلك فهناك حالات كثيرة لا ينساها الطبيب طوال حياته إذ تترك في نفسه وروحه ذكريات وصورا لا تمحى طالما بقي عنده قلب ينبض. وليست كل هذه الذكريات مأساوية فهناك الكثير منها حلو وسعيد، يتمنى الطبيب عندها لو يجد أحدا يشاركه فيها سعادته ، وهو إن أحجم فلأنّ للمهنة أسرارها وقدسيتها. ما هو الدافع إذن لأن يُبدّل الطبيب قناعاته ويكسر طوق الصمت فيروي بعضا مما مرّ به هو وما مرّ به زملاء له على مدى السنين ، لاسيما وأن مضيّ السنين الكثيرة يجعل من تلك الحالات تاريخا بعيدا ، هذا وإن عدم ذكر الأسماء والأمكنة والظروف المحيطة بكل حالة يبقي للمهنة سريتها وسماتها الإنسانية ؟ دافع ثان زاد من قناعتي بأن من الضروري أن يفتح الطبيب بعضا من أبواب مهنته ومن نوافذها فيرى الناس العاديون ، أي غير الأطباء ، صور هذه المهنة ومعاناتها من الداخل وهي الأقرب إلى الحقيقة والواقع ، لاسيما وأن هناك قناعات وآراء ليست بالنادرة ترى أن الطبيب إنسان على درجة عالية من الغنى والرفاه الذي قد يرى فيه الكثرة أمرا لا يستحقه. ماذا يفعل الطبيب حتى يقبض كذا وكذا من الليرات ؟ مجرد فحص بسيط بدقائق قليلة يمنّ فيها على المريض ثم يسارع لقبض الكثير من المال ؟ وليت الأمر ينتهي عند هذا الحد بل إنه يتجاوزه إلى مرحلة أخطر عندما يحدث أي اختلاط غير منتظر أو يموت المريض لسبب ما ، عندها يهبّ الأهل ويتراكضون إلى وسائل الإعلام التي لا تتردد في اقتناص الفرصة الثمينة فتسارع إلى نشر مقال مطول ومصوّر مع الحوارات التي تكون قد تمّت مع الأهل والجيران وأحياناً ، ويا للأسف ، مع أطباء آخرين وسرعان ما يجُمع الكل أن الطبيب مجرم وقاتل أو أنه رمى بكل قداسات المهنة عرض الحائط وما يتبع ذلك من اتهامات واستنتاجات تُوصل المهنة وأصحابها إلى الحضيض. سرعان ما يحتجّ العديد من القراء وربما من العاملين في حقل الإعلام والصحافة على مثل هذه الكلمات بل ويؤكدون أن حرية التعبير عن الرأي والحرص على صحة المواطن وعلى سلامته هي الدافع الأوحد لمثل تلك المقالات أو التقارير إن لم أسمّها بالهجمات . بل ويؤكد هؤلاء بأن من حق الأطباء أن يردّوا على أية انتقادات أو تقارير يرون أنها مجحفة بحق الطبيب والطب . ولكنني وخلال العقود الأربعة الأخيرة لا أذكر أنني قرأت أي ردّ يحاول تفسير مجريات الأمور كما حدثت أو كما رآها الطبيب والطب . لهذا حديث طويل أرجئ الحديث عنه إلى فرصة أخرى ولكنني أخلص للقول إن الطبيب عموما يشعر ما بين الحين والآخر أنه قد ظُلم وقد يبلغ الظلم أحيانا درجات كبيرة تترك في نفسه جروحا خفية قد لا يزيلها تتالي السنين. لا أشك الآن أن العديد ممن يقرأ هذه السطور قد وصل إلى قناعة أن الغاية من هذه الكلمات هي الدفاع عن الطب والأطباء بدون وجه حق بل والعمل على طمس الكثير من الإساءات والتجاوزات التي تحدث فتتحدث الصحف عن بعضها وتغمض عينها عن بعضها الآخر ، أو بكلمة أخرى أن الهدف الحقيقي هو المبدأ الجاهلي "انصر أخاك ظالما أو مظلوما ". أود أن أؤكد أن هذا هو آخر ما يتوق إليه كاتب هذه الأسطر وإن كانت هناك أية مناصرة فهي بالاعتراف بالحقائق ومحاولة إصلاح ما انحرف منها حسبما تسمح به الظروف. هل أريد بهذا الكلام أن أقول إن هناك تركيزا خاصا على الطب والأطباء ونقدا متسرعا لهم في معظم الحالات بينما لا نرى في صحفنا نقدا مماثلا بالكم وبالكيف للكثير من المهن الأخرى ومن المصالح والشركات والمؤسسات ؟ نعم أود قول شيء من هذا القبيل. ولكي لا يشتد رد الفعل على مثل هذه الأقوال ، أسارع واستدرك لأقول إنني وكطبيب مضى على ممارسته هذه المهنة المقدسة عدة عقود أعترف أن مستوى هذه المهنة قد أصابه بعض التراجع واعتورته العديد من العوامل التي جعلت تدنيا في مستواه العلمي والمسلكي. أملي كبير في أن الظروف الحالية التي تدعو للتفاؤل والأمل ستسمح لي أن أتطرق إلى هذه العوامل بصراحة واستقامة ، وهذا ما يشكّل أساس العمل الطبي الجيد ألا وهو أن يقوم الطبيب أولا بتشخيص المرض ثم أن يقوم بمعالجته أو باقتراح المعالجة أو المعالجات المناسبة ومتى تمّت المعالجة أن يتابع تطور الحالة التي يعالجها فإن وجد إنها في تقدم وتحسن وسير نحو الشفاء أدرك أن تشخيصه صحيح وأن معالجته مناسبة ، ولكن إن لاحظ أن الحالة تتدهور وأن المرض يتفاقم فعليه أن يسارع لمراجعة كل الخطى التي كان قد سلكها حتى وصلت به إلى ذلك التشخيص وأن يكشف الخطأ أو الأخطاء التي أدت إلى وضع تشخيص خاطئ وعندها يسارع إلى تغيير الخطة العلاجية ، والاعتراف بالخطأ خير من الاستمرار فيه. هل غدا مجال هذه الخواطر الطبية واسعا وشاملا تصعب الإحاطة به ؟ ربما ولكن ما على الإنسان إلا أن يخطو الخطوة الأولى وإن هو خطاها فألا يألو جهدا في أن يثابر ويصبر حتى تتالى الخطوات ولا بد عند ذلك من أن يبلغ نهاية المطاف . وهنا سرعان ما يخطر على بالي : وهل هناك نهاية للمطاف ؟ بالتأكيد لا فنهاية مطاف ما، ما هي إلا بداية لمطاف ثان وهكذا دواليك. هل هذا يعني أنه لا يوجد شيء اسمه نهاية ؟ نعم وربما ، فكل نهاية هي بداية لمرحلة أو مطاف تال . أرجو ألا يظن أحد أنني أحاول أن أفلسف الأمور أو أن أعقّدها . إنها الحقيقة البسيطة . وهنا أتساءل : هل يستطيع الإنسان أن يعيش بدون أقاصيص وحكايات وروايات ؟ بعضها حقيقي وبعضها الآخر لا يستطيع الإنسان أن يتأكد هل هي حقيقة أم خيال أم ما بينهما ؟ وهل ينسى أي من الناس كبارا كانوا أم صغارا حكايات جداتهم وأمهاتهم وما تركت في نفوسهم من صور لا تمحى ومن مغزى ودلالة تعيش معهم حتى آخر نفَس وآخر خفقة قلب ؟ هل يرضي القارئ أن أنهي كلامي برواية حادثة قديمة شديدة القدم وأؤكد للقارئ العجلان أنني لن أطيل : كان الطبيب الشاب يجلس قرب الأم الماخض ( وهذا يعني أنها في حالة ولادة ) يراقبها . شعر أن الولادة ستكون عسيرة. رجا زميله المتقدّم عليه أن يبقى إلى جانبه للحيطة ولكن زميله هذا كان مشغولا بأمر آخر. ابتسم المتقدّم وأكد له إن الولادة ستكون سهلة وهينة . خرج المولود لاكما يولد الأولاد برأسهم أولا ثم بجسمهم فيما بعد . خرج عكس القاعدة . ظهرت قدماه ثم ركبتاه ثم جذعه ثم ساعداه . أما الرأس فلم يُطع الطبيب الشاب ورفض أن يخرج من الباب الضيق . صرخ الطبيب الشاب إلى زميله الأكثر خبرة ومراسا ولكن هذا كان مشغولا بأمر آخر . علا الصياح والطلب والاستغاثة ، ثم أتى ذلك الزميل وسارع ففتل عنق الجنين يمنة ويسرة فخرج الرأس ، ولكن المولود كان قد مات. بكى الطبيب الشاب . حَزِنَ . تحدّث إلى زميله ومتقدمه بقسوة وانفعال . ما كان من الأخير إلا أن هدّأ روعه وأعلمه أن العديد من الناس سيموتون معه سواء في أثناء الولادة أو في أثناء العلاج وأن عليه ألا يلوم نفسه إنْ حدث ذلك ولم يكن مقصرا في عمله. لم يقتنع الطبيب الشاب . ذهب إلى الأم المفجوعة بولدها وواساها بكلمات قليلة . نظرت إليه بحنان ولم تنطق بكلمة . نظراتها دلّته وأفهمته أنها تقدّر مشاعره وتتفهّمها . ذهبت المريضة إلى بيتها وودعته بابتسامة حزينة لم ينسها . بعد عام على الحادث ، كان يجول على المريضات كعادته ؟ نظر فإذا بها ، هي ، هي نفسها ، تتمخض . نظر إليها . رحّب بها بابتسامة وبدون أية كلمات . اقتربت الولادة . ولّدها وكان صبيا حلوا سالما معافى صرخ فور ولادته فقد كان قادما إلى عالمنا برأسه أولا . رفع الطبيب الشاب المولود إلى أمه فقبّلته . نظر الطبيب إلى الأم ونظرت إليه . تأكد له أنها عرفته من أول نظرة رأته فيها . لم يقل لها أية كلمة ولم تقل له أية كلمة ولكنه بقي يحفّها بعنايته حتى تركت المشفى . ودّعته بابتسامة فيها شكر وعرفان بالجميل وفيها غفران لما كان قد حدث. لم يسجّل الطبيب اسمها في مفكرته ولكنه لم ينسها ولم ينس أين تسكن وكلما مرّ قرب ذلك الحي الشعبي من المدينة فكّر لنفسه : في مكان ما هنا يعيش إنسان لابد وأنه الآن قد بلغ الخمسين من العمر . لاشك أنه قد تزوج . لا شك إن له أولادا . لا ، لابد أن أولاده قد كبروا وربما تزوجوا وربما أنجبوا وهكذا تستمر الحكاية. ماذا تريد الحكاية أن تقول أيها الصغار الأعزاء ؟ وأيها القراء العجلون ؟ . إذا نسي الناس كلهم ما حدث ، حتى ولو نسيت الأم ذاتها ما حدث ، لا يجوز للطبيب أن ينسى. هل هناك بريد يستطيع أن يرسل سلاما وتحية لتلك الأم التي تسكن في حي شعبي من المدينة ؟ هل هي حيّة سليمة الجسم الآن ؟ هل استمتعت بتربية أولادها وسعدت بنجاحهم في دراستهم وعملهم ، وفي زواجهم ، وفي أحفادها وأولادهم ؟ أليس هناك مثل هذا النوع من البريد ؟ أرجو ألا يظن أحد أن هذا بريد خيالي ؟ إذا لم يوجد مثله حقا فما أتعس الإنسان الذي يعيش على هذه الأرض ، ولعل عدم وجود مثل هذا النوع من البريد هو ما سبب كل هذه المآسي التي نراها كل يوم على التلفاز فلا تثير في نفس القريب قبل الغريب أي ألم أو أسى أو استنكار أو عمل يردع الظالم عن ظلمه . هل سيأتي يوم يصحو فيه الإنسان فيميّزَ الفاضل من الرذيل والحق من الباطل ؟ هل سيأتي يوم يعود فيه ذلك الهاتف السحري الذي يتواصل به الإنسان مع أخيه الإنسان ؟ وهكذا تنتهي حكاية اليوم . ولعلها لا تكون الأولى والأخيرة . د صادق فرعون الأحد 16 أيلول 2001 من كتابات الأستاذ الدكتور صادق فرعون أن يقول الإنسان الحقيقة الجامعة والبحث العلمي . أين نحن ؟ وكيف الخروج من المستنقع ؟ قصتي مع التخدير _________________________ فهرس مواضيع الأستاذ الدكتور صادق فرعون
تعليقــــات ( عــددها - 1 - ) ...
1 - .........
محمدالمجاهد / اليمن / Mon, 06 Sep 2010 00:09:04
الحقوق محفوظة طبيب الوب 2014 ©
http://tabib-web.eu - http://www.tabib-web.eu